خطبة بعنوان: “دور الإسلام في مواجهة الإرهاب”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 ربيع الأول 1438هـ – 16 ديسمبر 2016م
خطبة بعنوان: “دور الإسلام في مواجهة الإرهاب”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 17 ربيع الأول 1438هـ – 16 ديسمبر 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حرمة الدماء في الإسلام
العنصر الثاني: صاحب الذكرى العطرة يتبرأ من القتلة المجرمين
العنصر الثالث: وسائل القضاء على الإرهاب
المقدمة: أما بعد:
أولا: حرمة الدماء في الإسلام
عباد الله: لقد أكد الإسلام على حرمة الدماء وشدد في هذا الأمر أيما تشديد؛ وجاءت النصوص – قرآنا وسنة – بالنهي عن قتل النفس بغير حق مطلقا، فيدخل في ذلك النفس المؤمنة والنفوس الكافرة ممن لهم عهد أو أمان أو ذمة، ومن ذلك قوله تعالى:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام:151]، ثم قال تعالى في آخر الآية:{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } قال الشيخ السعدي رحمه الله: «وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها، من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، ومسلم وكافر له عهد: إلا بالحق».
وقال سبحانه وتعالى:{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }[المائدة:32] قال ابن عباس – رضي الله عنهما – :«يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا».وعن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس .. }الآية، أهي لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: «أي والذي لا إله غيره؛ كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا».( تفسير ابن كثير )
أيها المسلمون! لقد أكد نبيكم – صلى الله عليه وسلم – في خطبته المشهورة – حرمة سفك دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فعن أبي بكرة – رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم النحر فقال: ” أي يوم هذا؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ” أليس ذو الحجة؟” قلنا: بلى، قال: “أتدرون أي بلد هذا؟” قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه، فقال: “أليس بالبلدة؟” قلنا: بلى، قال: ” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، وفي شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟” قالوا: نعم، قال: “اللهمّ اشهد، ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغٍ أوعى من سامع، ألا فلا ترجعُن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض” (البخاري ومسلم)
وعن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال:” اجتنبوا السبع الموبقات” قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:” الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق…” (البخاري ومسلم)
ولقد نظر ابن عمر إلى الكعبة حيث الجمال والجلال والكمال والهيبة والحرمة فقال: ما أعظمك! وما أشد حرمتك، ووالله للمسلم أشد حرمة عند الله منك. وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله. (البخاري)
وعند البخاري – أيضاً – عن ابن عمر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً”.
وأعظم من ذلك كله ما جاء عند أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش”. فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب ؟!!.
وعن عبد الله بن مسعود – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذاً رأسه بيده، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له فيبوء بإثمه، قال: فيهوى في النار سبعين خريفاً”.( النسائي والبيهقي في الشعب بسند حسن)
ولم يقتصر الدين الإسلامي السمح الحنيف على تعظيم حرمة دماء المسلمين فحسب؛ بل يمتد ذلك ليشمل أهل الكتاب وغيرهم حتى دماء الكفار المسالمين؛ وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم- من التعرض للمعاهدين والمستأمنين من المشركين وأهل الذمة بأذى أو قتل؛ وما ذاك إلا تعظيما لحرمة الدماء وصونا للعهد، وتشديدا على من يتساهل فيها، ولو كانت الدماء لغير المسلمين، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ” [البخاري]، وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » [ أبو داود].
بل إني أحذر هؤلاء القتلة المجرمين من دعوة المظلوم – حتى لو كان كافرا – وهذا ما أكده لنا صلى الله عليه وسلم؛ فعن أنس بن مالك رضى الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب” (مسند أحمد). لذلك كانت الدماء أول ما يقضي في الآخرة، قال – صلى الله عليه وسلم -: ” أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء” (البخاري ومسلم)
وقد روى أحمد والترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول: يا رب سل هذا فيم قتلني حتى يدنيه من العرش”. فماذا عسى أن يكون الجواب عند سؤال رب الأرباب ؟!!. وعن عبد الله بن مسعود – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة آخذاً رأسه بيده، فيقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني؟ قال فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له بؤ بإثمه، قال: فيهوى في النار سبعين خريفاً”.( النسائي والبيهقي في الشعب)
أيها المسلمون : إن هذه الجرائم وبحق، تعد أعمالاً بشعة ومقيتة ، وللقيم والأخلاق مميتة ، يشوه بها سمعة الإسلام ، وبلد الإسلام ، الذي يرفض مثل هذه التصرفات الرعناء ، والأفعال الهوجاء؛ فالإرهاب والإفسادُ في الأرض شِيمَة المجرِمين، وطبيعة المخرِّبين، وعمل المفسِدين، ففيه ضَياعٌ للأملاك، وضِيقٌ في الأرزاق، وسُقُوطٌ للأخلاق، إنَّه إخفاقٌ فوق إخفاق؛ فهذه جرائم ارتكبت؛ ودماء سفكت؛ وبلاد خربت؛ وأطفال يتمت؛ ونساء رملت ….باسم الإسلام!! والهدف من كل ذلك هو تشويه صورة المسلمين؛ والإسلام من كل ذلك براء.
العنصر الثاني: صاحب الذكرى العطرة يتبرأ من القتلة المجرمين
أحبتي في الله: إنني أقول لسفاك الدماء؛ وأقول لهؤلاء القتلة المجرمين: إن الرسول صلى الله عليه وسلم تبرأ منكم حتى لو قتلتم كافرا؛ فضلا عن معاهد مستأمن!! فعن عمرو بن الحَمَق رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا» (أخرجه البخاري في تاريخه، والبيهقي في السنن الصغرى). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [ أبو داود]. وعند البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم:” مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا ” ( البخاري) قال الإمام ابن حجر:” أي ليس على طريقتنا ، أو ليس متبعا لطريقتنا ، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله؛ وهذا في حق من لا يستحل ذلك ، فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح.”(فتح الباري)
بل إن هذا القاتل المجرم الذي تعرض لهذا الفعل الغاشم مطرود ومحروم من الشرب من حوض النبي – صلى الله عليه وسلم – لأنه سفك دما حراما في أفضل الأيام وهو يوم ذكرى مولده – صلى الله عليه وسلم- فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ؛ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ؛ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟!! فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي “. وفي رواية: ” فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي. فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى!!” ( البخاري)
أيها المسلمون: ونحن في شهر صاحب الذكرى العطرة علينا أن نتخلق بأخلاقه – صلى الله عليه وسلم – ؛ ونحن نعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن الهدف من بعثته هو غرس مكارم الأخلاق في أفراد المجتمع حيث قال:” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ” [البخاري في الأدب المفرد وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي]. قال المناوي: “أي أُرسلت لأجل أن أكمل الأخلاق بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة.”
وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.
لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي)
عباد الله: لقد أمرنا الله عز وجل بحسن الخلق والبر والإحسان – لا أقول مع الأهل والوالدين فحسب – بل مع الأعداء والمعاهدين فقال الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) قال ابن جرير:” عُنى بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين من جميع أصناف الملل والأديان، أن تبرُّوهم وتصلوهم وتُقسطوا إليهم؛ لأن بِرَّ المؤمنِ من أهل الحرب ممن بينه قرابةُ نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ مُحَرَّم ولا منهىٍّ عنه، إذا لم يكن فى ذلك دلالةٌ له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكُراع أو سلاح، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقَّ والعدل من أنفسهم، فيبَرُّون من بَرَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم”
عباد الله: إن الإنسان يأتي يوم القيامة معه حسناااااات وعبادااااااات كثيرة؛ يحملها وهو محروم منها؛ بسبب فساد أخلاقه؛ وسفك دماء الآمنين والمستأمنين والمعاهدين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”(مسلم)
أيها المسلمون: إن الأزمة في حياتنا المعاصرة أزمة أخلاق؛ لأن قوام الأمم بالأخلاق وضياعها بفقدانها لأخلاقها، قال الشاعر أحمد شوقي:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت …………فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقال: وَإِذا أُصـــيــبَ الـــقَــومُ فـــــي أَخــلاقِــهِـم………. فَـــــأَقِـــــم عَـــلَـــيــهِــم مَــــأتَـــمـــاً وَعَـــــويــــلا.
وقال: صَـلاحُ أَمْـرِكَ لِلأَخْـلاقِ مَرْجِعُـهُ…………… فَقَـوِّمِ النَّفْـسَ بِالأَخْـلاقِ تَسْتَقِـمِ
العنصر الثالث: وسائل القضاء على الإرهاب
عباد الله: إن علاج ظاهرة الإرهاب والإفساد والقضاء على هذه الظاهرة وسبل مواجهتها يتمثل في الوسائل التالية:
أولاً: التوجيه والإرشاد بخطر الإرهاب والإفساد وعاقبة المفسدين:
وذلك بكثرة التوعية والندوات؛ عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والأمسيات الدينية والخطب والدروس والمحاضرات وشبكة المعلومات الدولية؛ وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ بهدف توضيح مخاطر الإفساد والإرهاب على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي؛ مع بيان أن جريمة الإرهاب والإفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الإرهاب والفساد وارتكاب جرائمه.
ثانياً: فرض عقوبات رادعة للإرهابيين والمفسدين
وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوعٍ من أنواع الإرهاب بكل صوره، يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: “إن إقامة الحد من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من اللهّ بعباده : فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله . ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ؛ لا شفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق : بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ؛ فإنه لو كف عن تأديب ولده -كما تشير به الأم رقة ورأفة- لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به ، وإصلاحا لحاله ؛ مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل ،والحجم ، وقطع العروق بالفساد ، ونحو ذلك ؛ بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة . فهكذا شرعت الحدود ، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها ، فإنه متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات ، بجلب المنفعة لهم ، ودفع المضرة عنهم ، وابتغى بذلك وجه الله تعالى ، وطاعة أمره : ألان الله له القلوب ، وتيسرت له أسباب الخير ، وكفاه العقوبة البشرية ، وقد يرضى المحدود ، إذا أقام عليه الحد . وأما إذا كان غرضه العلو عليهم ، وإقامة رياسته ليعظموه ، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال ، انعكس عليه مقصوده .” ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) ؛ لهذا قال عثمان -رضي الله عنه-:” إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، أي: يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن؛ لكن متى علموا أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدعوا، وخافوا من عقوبة السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك!!
ولهذا قاوم الرسول صلى الله عليه وسلم كل من يقوم بالإرهاب والإفساد ونكل بهم وعاقبهم أشد العقوبة؛ فعن أنس بن مالك قال: ” سألني الحجاج قال: أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قلت : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا ” [البخاري ومسلم ]. هذا في سياق من يقطعون الطريق أمام إعمار الأرض وإصلاحها وازدهارها؛ ويسعون في الأرض فسادا وإرهابا!!
ثالثا: تطهير العقول من الأفكار المتطرفة
فمن أهم وسائل مواجهة الإرهاب تطهير عُقول الشباب من الأفكار المتطرفة؛ لأنَّ الناس لو استقامتْ عقولهم، صاروا يُفكِّرون فيما ينفَعُهم ويبتَعِدون عمَّا يضرُّهم، فلو استقامتْ عُقول الناس لاستقامتْ حياتهم؛ لأنَّهم سوف يبحثون عمَّا يُرضِي الله فيفعلونه، ويتعرَّفون على ما يغضب الله فيبتعدون عنه، إذًا هناك علاقةٌ كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين استقرار الأمن عندهم؛ لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كُفِّر الناس وأريقت الدماء وقُتل الأبرياء وخُفرت الذمم بقتل المستأمنين وفُجِّرت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسة؟!!
فعلينا أن نحافظ على أولادنا من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والانجراف في الفكر التكفيري المنحرف، ونقول للغلاة أهل الغلظة والجفاء، متبعي الأخطاء المستهزئين بالعلماء، الخارجين على إجماع الأمة، نقول لكل مشترك في هذه الجرائم البشعة سواء بجلب هذه المتفجرات أو الإعانة على نقلها أو التواطؤ في تهريبها أو السكوت على أصحابها: توبوا إلى الله توبة نصوحًا، واعترفوا بأخطائكم، وعودوا إلى رشدكم، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في دماء المسلمين، اتقوا الله في الأبرياء، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، وفي ذممكم دماء لأرواح بريئة، فماذا أنتم قائلون ؟! وما هي حجتكم إذا وقفتم حافية أقدامكم؛ عارية أجسامكم؛ شاخصة أبصاركم؛ بين يدي الله أحْكَمِ الحاكمين؟!!
يا شباب الإسلام: إياكم وهذه الدعوات الخطيرة التي تدعو إلى التكفير والتفجير، واعلموا أن من أعظم الواجبات الرجوع لأهل العلم الموثوق بعلمهم فيما يُشكل عليكم لأن الله جعلهم هداة مهتدين؛ ونسأل الله أن يجتث هذه الأفكار الدخيلة من بيننا!!
رابعاً: الدعاء بصلاح الحال:
فالدعاء من أعظم الوسائل النافعة، وهو السلاح المعطل عند الكثير، وقد فرطوا به، إما جهلاً أو قلة يقين بأثره، ولنا القدوة في رسولنا صلى الله عليه وسلم في كثرة دعائه بالصلاح والإصلاح. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي؛ وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي؛ وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي؛ وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ؛ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ” ( مسلم )؛ وكان أيضا يكثر من الدعاء بقوله:” اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا ” ( أبو داود)
عباد الله: إن حلَّ ظاهرة الإرهاب والإفساد وعلاجَها لا يقتصر على فئةٍ معينةٍ، وإنما يشمل جميعَ أفراد المجتمع: شباباً وأسرةً ودعاةً ومؤسساتٍ وحكومةً؛ فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سَقمه – إن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه – فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور ، وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان، وإلا كما قيل:
ومتى يبلغ البنيان يوماً تمامَه…………………. إذا كنت تبنى وغيرك يهدم
أيها المسلمون: نحن في سفينة واحدة ؛ ولابد أن نتضامن جميعا يداً واحدة من أجل نجاة هذه السفينة ؛ كما علينا أن نأخذ على أيدي العابثين بهذه السفينة؛ وإلا غرقت بنا جميعا ؛ فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا ” ( البخاري )
إننا إن فعلنا ذلك وأصبحنا متضامنين متعاونين متكافلين يداً واحدة في الضرب بيد من حديد على كل متربص ببلدنا أو وطننا أو ديننا أو مقدساتنا أو أفراد مجتمعنا أو مؤسساتنا؛ مع نشر تعاليم الإسلام السمحة ؛ فإننا بحق نستطيع بناء وطننا ونقضي على الإرهاب بكل صوره وأشكاله؛ ونعيش آمنين مطمئنين متحدين متعاونين متراحمين كما أراد لنا ديننا الحنيف!!!
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي